قبل اسبوع و انا اتصفح موقع لنكدان وقعت على كتابة أحد الأخوان اللذي تطرق إلى قانون كريشام و التي تقول : “النقود الرديئة تطرد النقود الجيدة من السوق”، لكن قبل أن ننطلق فيما أردت أن أقوله حول هذه النظرية المحورية فالنتعرف معا قليلا حول كريشام و نظريته.
توماس غريشام (1519-1579)، كان عالماً وتاجراًواقتصاديًا إنكليزيًا، وكان هذا العالم يشغل وظيفة وزير مالية مملكة انجلترا في القرن السادس عشر، وكان قد ألقى على عاتق هذا العالم وضع العملة الإنجليزية على أسس وقواعد صحيحة، فصاغ قانونه في عبارته المشهورة «النقود الرخيصة تطرد النقود الغالية من التداول»، ولقد عمل مستشاراً اقتصادياً لدى ملك بريطانيا إدوارد السادس، وكذلك مستشاراً لدى أخته الملكة إليزابيث الأولى ملكةبريطانيا، لكن هل فهلا كريشام هو من وضع هذه النظرية، رجوعا للكثير من التقارير و مقال في موقع CNN تم اثبات ان سبقه اليه علماء بسنين، منهم المقريزي وابن تيمية.
ومن بين الأمثلة المعاصرة لهذه الظاهرة قيام كندا وأمريكا بين عامي 1964 و1968 بطرح نقود معدنية من فئة ربع ونصف دولار بديلة للنقود التي كانت قبل ذلك مصنوعة من الفضة، ولكن المفاجأة كانت اختفاء النقود الفضية التي اكتنزها الناس للاستفادة من طبيعة معدنها النفيس الذي صار أعلى من قيمتها كعملة، وتكررت الظاهرة أيضا بدول أخرى حول العالم.
ما يعنيني هنا أن هذه النظرية مبدأها لا ينحصر فقط في النقود، انما تتعداها للسلع ايضا بأن المنتج السيء يبقى بينما المنتج الجيد يخرج حيث يميل المستهلك مجملا الرخيص منه، و تنطبق على المعلومات أيضا حيث أن المعلومة السيئة تخرج المعلومات الجيدة، بالنسبة للمعلومات اثبتت النظريات أن الناس يميلون لاستنباط الأخبار من المصادر السيئة الغير موثوقة من اشاعات و انترنت لانها أقل ثمنا و اسهل في الوصول.
السؤال هو هل تنطبق هذه النظرية على الموارد البشرية؟، الحقيقة و قبل اسابيع قليلة كنت في حديث جانبي مع أحد العاملين في قطاع “ادارة الموارد البشرية”، و كان النقاش يدور حول سد فراغ وظيفي تركه أحدهم، لم يتوانا النقاش الدائر من ان يخذ منحنى جودة استقطاب الايدي العاملة، و كيف انه بات صعبا بسبب الظروف الاقتصادية الراهنه، بينما اكد هذا العامل في الموارد البشرية بأن قال “السوق يزخر بالعاطلين، و يمكننا ببساطة و سهولة أن نستقطب شخص ممتاز بعرض أقل بكثير”، من جهتي اعارض وجهة نظره لكن هذا ليس موضوعنا اليوم، موضوعنا هو النظر للسلوك و طريقة التفضيل بين الموظف الرخيص (أقل مهارات) و للموظف المكلف (الأكثر خبرة و مهارات)، وكيف أن تكتيك الاستقطاب تحول نظرة الى ما يمكننا ان نسميه “المتردية و النطيحة”، و انه و من سبيل التوفير في التكاليف يميل هذا الشخص للنظر الى الأشخاص اللذين يمكن استقطابهم بأقل عروض وظيفية ممكنه، و من منظور آخر و في بيئة العمل ككل نجد ان نظرية كريشام تظهر جليا في التسرب الوظيفي، حيث ان بكل منظمة لو تركناها في حالها دون توفير المحفزات و التدريب و التطوير و الادارة الجيدة، سيتسرب الجيدين من الموظفين و الموظفات لخارج المنظمة، لأنهم هم الاول من يستطيع فعلا ايجاد فرصة أخرى، و ثانيا هم اول من لا يتردد في اهدار وقته و امكاناته و مساره الوظيفي في قضية خاسرة، و وقتها يبقى دائما الموظف السيء “المتردية و النطيحة”.
الخلاصة أن دور كل اداري و كل ممثل لأدارة الموارد البشرية ان يضعوا الموظفين الجيدين تحت المجهر دوما، فهم بآخر المطاف ال ٢٠٪ من الموظفين اللذين سينجزون ٨٠٪ من أهداف المنظمة (قانون باريتو)، بينما “المتردية و النطيحة” و نسبتهم ٨٠٪ من العاملين سيبقون في المنظمة لينجزوا و بكل قلة كفائة باقي ال ٢٠٪ من الأهداف، فالسؤال هو هل فعلا حين تسعى لخفض التكاليف أن يكون هدفك التخلص من الجيدين و إبقاء السيئين؟ و كيف ستصمد المنظمة بإنجاز فقط ٢٠٪ من اهدافها؟ اترككم مع تلك الصورة.