يا أيها المدير الذي يصفق بحرارة عندما ينجح في خفض التكلفة الأولية (Cost Saving)، ويا أيها المسؤول المالي الذي يرى في “التقشف الحاد” طريقاً وحيداً للربح! دعني أقول لك وبكل صراحة: أنت تعيش في “وهم الوفورات الرخيصة”، وهذا الوهم هو أسرع طريق لتكتشف أن العميل الذي كسبته بجهد مضنٍ قد تم بيعه لك مرة أخرى… لكن هذه المرة بسعر مضاعف!
كثير من الشركات تظن أن حل “معضلة الربح” (Profit Paradox) يكمن في إمساك “الريال” و”شدّه” حتى ينقطع. الحل بالنسبة لهم هو: وظّف موظفاً “رخيصاً” (غير كفؤ)، استخدم مواد “أقل جودة” (تتكسر بسرعة)، أو اختصر دورة الإنتاج لـ**”تدرعم”** في السوق. هذا التفكير السطحي ينسى أن أي “وهم وفورات” أولية ستدفع ثمنه في النهاية كـ**”تكلفة مخفية”** أكبر بمراحل.
الـ $200 ألف التي تبخرت بحجة “توفير الراتب”
خذ عندك مثال “المدير الشاطر” الذي قرر توظيف موظف خدمة عملاء براتب 6 آلاف ريال بدلاً من موظف خبير كان يطلب 10 آلاف ريال. هنا، فرح المدير بتوفير 4 آلاف ريال شهرياً. لكن ما حدث بعد ستة أشهر كان كارثة!
الموظف الرخيص، بسبب ضعف خبرته، ارتكب أخطاء متكررة، وأهمل متابعة شكاوى العملاء الكبار. النتيجة؟ ثلاثة من كبار عملاء الشركة غادروا وذهبوا للمنافسين. خسارة هؤلاء العملاء كانت تعادل خسارة أرباح تقدّر بـ200 ألف ريال سنوياً، بالإضافة إلى خسارة السمعة وتكلفة محاولة استعادة العملاء (التي غالباً ما تفشل). هنا، الشركة دفعت ثمن “التوفير الرخيص” ألف مرة!
هذا هو سر “بيع العميل لك مرتين”: أنت تبيع له منتجاً بجودة متدنية أو خدمة غير احترافية بحجة التوفير، ثم تدفع لاحقاً ثمن فشلك في الحفاظ عليه (Cost of Churn)، أو تدفع تكلفة إصلاح المنتج الفاشل (Rework).
لماذا “الدرعمة” في التوفير هي انتحار ربحي؟
التركيز المفرط على خفض التكلفة الأولية يفتح أبواب الجحيم عبر ثلاث قنوات لا يراها إلا المدير الذكي:
-
تكلفة “التسرب الوظيفي” (Turnover): عندما تبخل على موظفيك الكفؤ وتدفع لهم رواتب أقل من السوق بحجة التوفير، هم سيغادرون. تذكر: تكلفة استبدال موظف واحد قد تصل إلى 200% من راتبه السنوي! أنت لم توفر شيئاً، أنت ضخمت التكلفة الدورية للتوظيف والتدريب. هذا هو “هدر الأموال بلا سنع”.
-
تكلفة “الجودة المهزوزة”: عندما تستخدم مواد رخيصة أو تسرّع العمل، فإن نسبة المنتجات المعيبة ترتفع، ومطالبات الضمان تزيد. أنت توفر 10% من تكلفة المادة، وتخسر 40% من أرباحك في قسم الصيانة وخدمة العملاء. هذا ليس توفيراً، هذا “نزيف مالي”.
-
تكلفة “الكسل التشغيلي”: بدلاً من أن تبحث عن طريقة “لإنجاز العمل بأقل جهد” (الكفاءة)، أنت تبحث عن طريقة لـ**”تجاهل”** جزء من العمل (التوفير الرخيص). هذا الكسل يجعلك بطيئاً أمام المنافسين الذين استثمروا في الأتمتة والعمليات ذات الجودة العالية.
الحل ليس في إيقاف الصرف، بل في “توجيه الصرف”. الربح المستدام لا يأتي من الخفض الحاد والـ “نزق” المالي، بل يأتي من الاستثمار المدروس في الكفاءة التشغيلية وجودة الموظفين. عندما تكون عملياتك “لها سنع”، فإن التكلفة تنخفض تلقائياً دون الحاجة لـ**”التوفير الرخيص”** الذي يجعلك تشتري العميل مرتين!
توقف عن الهياط بـ”وفورات” وهمية، وابدأ في بناء عمليات لا تُهدر المجهود والمال! و انتبه من وهم الوفورات الرخيصة