يا زين شعارات الشركات! “موظفونا هم أغلى ما نملك”، “نؤمن بأهمية بناء الكفاءات الوطنية”، “شركتنا بيئة مثالية للنمو والتطور“. كلام يطير العقل! لكن تعال يا حبيبي للواقع، اسأل أي موظف: كم مرة الشركة استثمرت فيك؟ كم دورة تدريبية حصلت عليها؟ كم فرصة شهد عملية تطوير الموظفين؟
الجواب غالباً يكون: “والله يا شيخ، هم يبوني أكون ’10X’ بس ما يبون يستثمرون فيني ‘1X'”.
هذا هو واقع أغلب الشركات عندنا، للأسف. ينظرون للموظف كـ “بقرة حلوب” واجبها الوحيد إنها تعطي حليب، ولا يحق لها تسأل عن العلف ولا تسأل عن الطبيب البيطري.
منطقة “لا للخسارة”.. منطقة الخسارة الكبرى!
عقلية “البقرة الحلوب” هذه مبنية على فكرة خطيرة: إن تدريب الموظف أو تطويره “خسارة” مو “استثمار”. يظنون إنهم إذا دربوا الموظف على مهارات جديدة، بيصير “مُغرِياً” للشركات المنافسة، وبعدها بيتركهم. يا ناس! إذا الموظف صار عنده مهارات جديدة وبيئة عمل محفزة ومناسبة، ليه يترككم؟ هو بيترككم إذا حسّ إنه “بقرة” مطلوب منها تعطي وبس، وما فيه أي مقابل.
وللأسف، كثير من المدراء ما يشوفون الصورة الكاملة. يشوفون المبلغ اللي بيدفعونه على الدورة التدريبية، وما يشوفون التكاليف الخفية اللي بيتحملونها بسبب هذه العقلية.
الأرقام تتكلم: تكلفة التجاهل
عشان ما يكون كلامنا مجرد “تذمر”، خلينا نشوف الأرقام. دراسات عالمية أثبتت أن تكلفة استبدال موظف واحد يمكن أن تتراوح بين 50% إلى 200% من راتبه السنوي! تخيلوا شركة تخسر هذا المبلغ الضخم في كل مرة يتركها موظف، بينما كانت تقدر تستثمر جزء بسيط منه في تطويره.
وعلى الجانب الآخر، فإن الاستثمار في الموظفين له عائد حقيقي ومربح. وفقاً لبعض الأبحاث، فإن الشركات التي تستثمر في برامج تدريب وتطوير شاملة لموظفيها، تحقق أرباحاً لكل موظف أعلى بـ218% مقارنة بالشركات التي لا تفعل ذلك. هذا يعني أن الموظف المدرب والمطور ليس فقط أكثر إنتاجية، بل هو أيضاً أكثر قيمة مالية للشركة.
وهنا تظهر المفارقة! نفس الشركات اللي تشتكي من إن السوق “ما فيه كفاءات”، هي نفسها اللي ترفض تدريب كفاءاتها الموجودة! يقولون “الشباب اليوم ما فيهم صبر على التعلم”، وهم ما يعطونهم فرصة للتعلم أصلاً. كأنهم يبون موظف جاهز من السماء، عنده خبرة عشر سنين، وعمره ٢٣ سنة!
الولاء والإبداع.. ثمن لا يقدر بمال
النتيجة النهائية لهذه العقلية، يا سادة يا كرام، هي أن “البقرة” بتطلع من المكان اللي ما يعطيها قيمة. بتطلع مو عشانها ما تحب الشركة، بل لأنها تدور على “مرعى” أفضل. هذا الهروب الجماعي للموظفين المهرة يكلف الشركات أكثر من أي مبلغ يمكن أن تدفعه على التدريب والتطوير. فالتوظيف الجديد يكلف، والتدريب الأساسي للموظف الجديد يكلف أكثر، ناهيك عن “الجهد” و”الوقت” و”المعرفة المؤسسية” اللي تضيع مع كل موظف يغادر.
دراسات أخرى أشارت إلى أن الشركات ذات الموظفين الأكثر انخراطاً وولاءً، تحقق أرباحاً أعلى بنسبة 21%، وهذا ليس رقماً صغيراً. فالموظف الذي يشعر بالتقدير والاستثمار فيه، لن يتردد في بذل جهد إضافي وحل المشاكل بطرق إبداعية.
في الختام، التجارة أخذ وعطاء. والموظف ليس مجرد “بند في الميزانية” يجب التقليل من قيمته. الموظف استثمار، واستثمارك فيه اليوم هو اللي يحدد “قيمة” شركتك في المستقبل. وغير كذا، بتظل شركتكم “بقرة حلوب” لين ينشف ضرعها، ووقتها لا ينفع الندم.