عندما نسمع عن قانون الغاب يخطر ببالنا ما نراه في رحلات السفاري و ما يحكم معاش أهل تلك الأحراش من بهائم و كيف يدور رحى البقاء للأقوى و دورة الحياة التي تتمحور حول السلم الغذائي. لكن ما دخل قانون الغاب و كل ما أسلفنا ذكره في بيئة العمل؟
لن نتطرق إلى نظرية داروين و ما نص عليه من خرافات أن الإنسان أصله قرد. لكن الحقيقة أن الإنسان في الحقيقة و نهاية المطاف هو مجرد كائن حي آخر في هذا الكوكب الجميل. و هذا الإنسان يشترك مع باقي الكائنات الحية في الكثير من التصرفات و الأطباع التي قد نعرفها أحيانا بالغريزة و حب البقاء و ربما الفطرة أيضا. ولو تمعنا في بيئة العمل فيشترك نظامه كثيرا مع المملكة الحيوانية و قوانينها السائدة لكن بتصرف كبير حيث ينبغي أن نتذكر دوما أن الله قد أكرم الإنسان و علمه. لكن الأطباع و الغرائز هي نفسها موجودة لكن للإنسان أن يتحكم فيها متى شاء بناء على معايير أخرى تحكمه بألا يطلقها للعنان.
شخصيا أنا مؤمن بأن كثيرا من الناس لو غابت عنهم القوانين الضابطة و المعايير اللاجمة و خشية نظرة المجتمع لأسترسل في الكثير من التصرفات التي بالعادة لا يقوم بها. مثال على ذلك المجتمعات التي يسود فيها الحرب و يغيب عنها القانون فتجد مشاهد الاعتداءات و السرقات و الاغتيالات تسود بين شريحة من ذاك المجتمع. مثال آخر هو تصرفات نفرات من البشر في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام. تسوده الحرية خلف معرفات و صور تعبيرية. فتجد تلك النفرات يقومون و يصرحون بم من المحال أن يعكسوه بحياتهم العادية و بهوياتهم الحقيقية. اذا الشاهد أن هناك غرائز و أطباع مخفية عند الجميع و بتفاوت لكن هي تحت السيطرة كثيرا لعوامل داخلية أو خارجية.
بيئة العمل و قانون الغاب
لننتقل من كل ما ذكرناه و نركز مرة أخرى على بيئة العمل و قانون الغاب، بيئة العمل يسوده مكونات بشرية. لها هيكل تنظيمي يعرف مسؤوليات تلك المكونات و سلطتها. و أيضا تحدد من له أن يرتقي و كيف و متى. طبعا لا نتوقع أن يعلن تحدي مصارعه بين المرؤوسين و الرئيس لمن يتولى القيادة. لكن هناك طبعا ما يؤطر تلك العمليات سواء تقييم أو برامج تطوير أو نظام أكاديمي و الخ. تلك الأدوات تصنف المرشح و تفتح له الباب.
بينما منظمات “نص كم” تحكمها معايير أخرى من علاقات و واسطة و تبادل مصالح متعارضة. أيضا يجب ألا ننسى عمليات الأقصاء التي تحدث لبعض الأفراد في بيئات العمل. فنظريات الموارد البشرية قد تقول إن نسبة معينة من التسرب الوظيفي ينصح به. فيتم إخراج المتردية و النتيجة كل عام لإبقاء المنظمة قوية و تجديد الخبرات بدماء شابة نشطة. طبعا حالات شاذة يتم الإقصاء لمصالح شخصية أو تبني قرار الإقصاء على معايير غير صحيحة ظرفية لكن ليس هناك منظمة مثالية بسائر الأحوال.
لغة الجسد
في علم قرائه لغة الجسد جذبني أجزاء منه أكثر من غيره، وهو ما يخص العلامات التي تدل على. الدفاعية و الهجومية. في عالم الحيوان نجد القط و السنجاب و الفيل و غيرهم في حين المواجهة العدائية ينفش جسمهم أو يسعون لزيادة المساحة من جسمهم و التي يراها عين الخصم. البشر يعملون نفس الشيء ففي حين الوضع العادي تكون ردة الفعل بأن ينصبون أكتافهم و يميلون للأمام قليلا.
نظريات أخرى تقول أن وضع اليدين فوق الرأس مم يشكل الجسم كرأس الكوبرا هي علامة عدوانية. فالإنسان يلجأ كثيرا للعدوانية في حالات الدفاع عن النفس. أو في حالات عدم تقبله للطرف المواجه الآخر. غالبا تلك التصرفات لا يدركها مرتكبها. لكن الاحترافيون المكرمون بمشاعرهم يعلمون متى و كيف يستخدمون تلك العلامات الجسدية لتدعيم رسالتهم للآخرين. من التصرفات البشرية أيضا العدوانية الكامنة المتولدة ضد من يراهم تهديدا له أو لمصالحه. فيتم و يغتاب و يكيد و يخيط ما شاء في سبيل الدفاع.
صورة أخرى العدوانية الكامنة في منظمات العمل هو ميل الرئيس للتهديد بالفصل سبيلا ليدعم صورته و قراراته. هي سنة مريضة فعلا لكن هي موجودة. و الغير متمرس قد يقع فيها غير مدرك.
الميل للتجاهل
آخرين يفضلون عدم المواجهة مادام أنه يرى أن القضية لا ناقة له فيها ولا جمل، أو أنه يثق أن لا نتيجة مرجوة فيشتري راحة باله بالتجاهل. التجاهل قد يكون لأسباب أخرى كضعف شخصية أو خشية على مصالحه. علاقاته و رزقه. أو على حتى أهدافه التي نصب عينيه.
قانون الغاب سائد في مملكة الحيوان تمنع القتل من أجل التسلية و بدون سبب و في بيئة العمل وجود الهيكل التنظيمي الذي يسيطر على الإشكالات السلوكية أمر في غاية الأهمية. و حتى حماية الأفراد من عصابات المافيا التي قد تتشكل في بعض المنظمات أو غالبها. فتصرفات الأفراد منوطة بغاياتهم و أهدافهم التي يسعون لحمايتها ضد غيرهم.
الخلاصة
ليس هناك عالم مثالي، لكن يجب أن نحافظ على القوانين التي تنظم علاقات المتعايشين في بيئة معينة لنقرب على الأقل من المثالية أكثر. يجب التحكم في عمليات الأقصاء اللاواقعية التي يقوم بها الحمقى. و نسيطر على التنظيمات الفردية المشوهة و التي قد تسلب أي منظمة روحها، و نحرر إدارة الموارد البشرية ليقوموا بعملهم كما ينبغي.